سياسية

كيف تم التخطيط بعناية لإختيار الرئيس الإيراني الجديد؟

عندما أطلع مسؤولو الإستخبارات المرشد الأعلى علي خامنئي (على خامنه‌ای) في شهر أيار / مايو ٢٠٢٤، قبل الإنتخابات الرئاسية المبكرة الماضية، بأن الشعب الإيراني، نظراً للغضب من الصعوبات الإقتصادية، وقمع الحريات الإجتماعية (الحجاب وغيره)، خَطط مُعظم الإيرانيين لمقاطعة التصويت في أي إنتخابات قادمة، حيث قدروا النسبة ضمن حدود الـ ١٣ ٪ فقط!

لذلك، قرر مرشد إيران التخطيط لإنتخابات مُنسقة بعناية، مما مهد الطريق أمام شخص، مُعتدل ( من المعسكر الإصلاحي – من القومية الأذرية*)، غير معروف ولكن موثوق به، وهو مسعود پزشکیان، للوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية، في سباق في البداية بالتأكيد سيهيمن عليه المتشددون /المحافظون، وفق مصادر تحدثت لوكالة رويترز.

جمع مرشد إيران، عددا من مُستشاريه الأكثر ثقة، لمناقشة خطته في ثلاثة إجتماعات على الأقل في أواخر أيار / مايو ٢٠٢٤، في مقر إقامته في مجمع محصن في العاصمة الإيرانية طهران، وفقا لمصادر وكالة رويترز، هذه المصادر، وفق الوكالة، من المتشددين، مسؤول أمني كبير في إيران وإثنان من المطلعين على الدائرة المقربة من المرشد.

وقال أحد المصادر لوكالة رويترز، وهو مطلع على الإجتماعات:-

إن المرشد الأعلى كان يشعر بالقلق، من أن إنخفاض نسبة المشاركة سيضر بمصداقية المؤسسة الدينية، وأمر الحاضرين بإيجاد طريقة لتوجيه الإنتخابات

كانت الإنتخابات المُبكرة في إيران، بعد حادث تحطم طائرة الرئيس، إبراهيم رئيسي، ووفاته، في أيار/ مايو ٢٠٢٤، وأزعجت وفاته خطط العديد من زملائه المتشددين الذين أرادوه أن يخلف المرشد الحالي، البالغ من العمر ٨٥ عاما، وأثارت وفاته، سباقا بين المُتشددين لإختيار المرشد الأعلى المُقبل.

وضمت الإجتماعات في مقر مرشد إيران، بحسب مصادر وكالة رويترز، مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين والمساعدين الأمنيين وحليفه المقرب ومستشاره، علي أكبر ولايتي، بالإضافة إلى إثنين من كبار قادة الحرس الثوري.

كان هدف مرشد إيران هو الحفاظ على (الجمهورية الإسلامية) وسط مُعارضة داخلية وتوترات متصاعدة مع الغرب وإسرائيل بشأن غزة، والتي تفاقمت بسبب تورط حزب الله، حلفاء إيران في لبنان، والحوثيين في اليمن، وفقًا لما تحدثت به المصادر لوكالة رويترز، وما قاله مرشد إيران، خلال الإجتماعات عن خطته وأهدافها.

وقال أحد المصادر لوكالة رويترز، المطلعين على الإجتماع:-

” إن خامنئي يعتقد أن إيران بحاجة إلى رئيس يستطيع أن يجذب طبقات مُختلفة من المجتمع، لكن هذا الرئيس المُختار، لن يتحدى السلطة الدينية الشيعية الحاكمة “

وفق مصادر وكالة رويترز، تم طرح عدة أسماء في الإجتماع الثاني، وإن على خامنئي اقترح مسعود پزشکیان كشخص يمكنه تعزيز الوحدة بين من هم في السلطة، وسد الفجوة بين المؤسسة الدينية، والشعب وضمان عملية إختيار سلسة للمرشد الأعلى المقبل.

وقال سعيد ليلاز، المحلل المؤيد للإصلاح، والمقيم في العاصمة الإيرانية، طهران، لوكالة رويترز:-

“لقد كانت خطة لا تشوبها شائبة من قبل المرشد الأعلى، والتي ضمنت بقاء الجمهورية الإسلامية ، حيث سيتجنب سعيد بيزشگيان أي أزمة في الداخل، سواء مع الإيرانيين أو المؤسسة الدينية، وسيسمح ذلك لكبار القادة بإتخاذ القرار بشأن الخلافة للمرشد والتخطيط لها في جو هادئ.”

ومن غير المتوقع، أن يشهد عهد الرئيس الإيراني الجديد أي تحول كبير في سياسة إيران النووية أو الخارجية، أو دعمها للميليشيات في المنطقة، لكنه سيشارك عن كثب في إختيار خليفة لمرشد إيران، حيث أن المرشد هو الذي يتخذ القرارات في شؤون الدولة العليا، بحسب وكالة رويترز.

وقالت المصادر لوكالة رويترز:-

إن المظهر المُعتدل للرئيس الجديد، من شأنه أن يرضي الإيرانيين الساخطين على الدولة الدينية، ويضمن الإستقرار الداخلي وسط تصاعد الضغوط الخارجية، فضلاً عن تزويد مرشد إيران الحالي، بحليف موثوق به في عملية إختيار الخليفة المقبل “

وقال مصدر إقليمي لوكالة رويترز، وهو مقرب من دوائر السلطة الإيرانية:-

” إن إنتخاب الرئيس الحالي، مسعود پزشکیان، تم هندسته بعناية، لنزع فتيل التوترات بعد موجة من الإحتجاجات الشعبية، التي أثارتها وفاة امرأة شابة أثناء احتجازها في عام ٢٠٢٢، تدعى مهسا أميني، والقيود الأكثر صرامة على الحريات الإجتماعية التي فرضها الرئيس السابق إبراهيم رئيسي”

وقالت المصادر لوكالة رويترز:-

” إن المرحلة الأولية من الخطة بدأت عندما قام النائب في وقتها مسعود پزشکیان – بتشجيع من المسؤولين السابقين، الذين لهم صلات بمكتب المرشد الأعلى – بالتسجيل لخوض الإنتخابات التي كانت مقررة في ٢٨ حزيران/ يونيو “

” وإن مسعود پزشکیان، لم يكن على علم بالقرارات التي أتخذت وراء الكواليس”

وقال مصدر أخر مقرب من الرئيس الجديد، إنه لم يكن يتوقع حتى أن يحصل على موافقة مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة التدقيق الغير منتخبة، تضم ستة من رجال الدين وستة فقهاء متحالفين مع المرشد علي خامنئي، والتي حظرت العديد من المرشحين المحافظين المعتدلين والبارزين في الماضي، قبل كل عملية إنتخابات برلمانية أو رئاسية.

وقالت مصادر وكالة رويترز، المطلعون على الأمر، إن خطة علي خامنئي صُممت لتبدو نزيهة وديمقراطية، لذا فقد وافق مجلس التدقيق على إثنين من المرشحين المتشددين البارزين، وهما المفاوض النووي السابق سعيد جليلي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.

ويعني ذلك، أنه كان المرجح أن تنقسم الأصوات المتشددة، بينهما، مما يجعل من الصعب على كل منهما الوصول إلى جولة الإعادة، المقصود هنا، سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف.

وينتمي سعيد جليلي إلى معسكر “پایداری / والذي يعني بالفارسية، التحمل، المعارضة، الصبر، المثابرة، المقاومة، قوة البقاء، الشجاعة، الإستقرار، المتانة، الثبات ” المُتشدد، الذي يدعو إلى فرض قيود اجتماعية أكثر صرامة، والإعتماد على الذات، وإنتهاج سياسة خارجية متشددة – ويعتقد أنه اختار بالفعل مرشحه لخلافة خامنئي، حسبما قال النائب الإيراني السابق نور الدين بيرموازن، وهو إصلاحي.

وقال ثلاثة مُحللين ودبلوماسيان لوكالة رويترز:-

” إن فوز جليلي، الذي عارض الإتفاق النووي المبرم عام ٢٠١٥، مع القوى الدولية، كان سيرسل إشارة سلبية إلى الغرب، مع تكثيف الضغوط على إيران، بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم الذي يتقدم بسرعة “

وقال دبلوماسي غربي في المنطقة لوكالة رويترز:-

“مع تزايد إحتمال عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، فأن الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى شخصية مُعتدلة، لإبقاء الحوار مع الغرب مفتوحا وخفض التوترات “.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية:-

“لا يمكننا التكهن بنظريات مُحددة لما قد يكون حدث خلف كواليس الإنتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، وما يمكننا قوله على وجه اليقين هو أن الإنتخابات في إيران ليست حرة ولا نزيهة “.

حصل المرشح مسعود پزشکیان، خلال الجولة الأولى بأصوات الناخبين قال عنهم المحللون، إن معظمهم من الطبقة المتوسطة الحضرية أو الشباب، وهي مجموعات أصيبت بخيبة أمل على نطاق واسع بسبب سنوات من الحملات الأمنية للحكومة.

ولكن نسبة إقبال الناخبين لم تتجاوز ٤٠%، وهي النسبة الأدنى على الإطلاق في أي إنتخابات في الجمهورية الإسلامية، وذهبت الإنتخابات إلى جولة الإعادة بين مسعود پزشکیان و سعيد جليلي، المناهض بشدة للغرب.

خوفاً من السياسة الداخلية والخارجية العدائية التي ينتهجها سعيد جليلي، ذهب العديد من الإيرانيين الذين صوتوا لصالح محمد باقر قاليباف، أو أمتنعوا عن التصويت في الجولة الأولى، لصالح پزشکیان في الجولة الثانية، التي جرت في الخامس من تموز / يوليو ٢٠٢٤، مما أدى إلى إرتفاع نسبة التصويت إلى ما يقرب من ٥٠ ٪، من الناخبين الإيرانيين البالغ عددهم ٦١.٥ مليون ناخب.

وفي نهاية المطاف، حققت خطة مرشد إيران النتيجة المرجوة.

فاز مسعود پزشکیان، وهو جراح قلب يبلغ من العمر ٦٩ عاماً، بدعم من الإصلاحيين والمحافظين المعتدلين والأقليات العرقية، بنسبة ٥٤ ٪ من الأصوات.

وقال بعد فوزه للتلفزيون الرسمي:-

” أشكر المرشد الأعلى، لولاه، لا أعتقد أن اسمي سوف يكون موجودا في صناديق الإقتراع”

وتعهد الرئيس الجديد، الموالي للحكم الديني في إيران، بإتباع سياسة خارجية عملية وتخفيف التوترات بشأن المحادثات المتوقفة الآن، لإحياء الإتفاق النووي المبرم عام ٢٠١٥، مع القوى الكبرى وتحسين آفاق التحرير الإجتماعي.

لقد تحدث الرئيس الجديد، عن حقوق المرأة والأقليات العرقية وأنتقد طريقة تعامل المؤسسة مع وفاة مهسا أميني، وهي امرأة كردية إيرانية توفيت في عام ٢٠٢٢، أثناء إحتجازها بزعم إنتهاك قواعد اللباس الإسلامي.

وقال في وقتها:-

“إنهم يعتقلون فتاة بسبب ظهور بضعة خصلات من شعرها… ويعيدونها جثة إلى عائلتها، هذا السلوك غير مقبول”.

ومع ذلك، فإن العديد من المحللين يشككون في قدرته على الوفاء بجميع وعوده الإنتخابية، حيث صرح علنًا أنه لا ينوي مواجهة رجال الدين الأقوياء والصقور الأمنيين في إيران.

المصدر
المصدر
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
إغلاق

أنت تستخدم مانع ألاعلانات

شكرا جزيلا لزيارة موقعنا - أنت تستخدم مانع ألاعلانات ٠ الرجاء قم بتعطيل مانع ألاعلانات حتى تتمكن من تصفح الموقع