أُسرة و مجتمع

المدارس في الولايات المتحدة زودت الطلاب بالأجهزة الألكترونية لتسهيل التجسس على تصرفاتهم !

عندما بدأ وباء فيروس كورونا العام الماضي في الولايات المتحدة، كشف عن أشكال لا حصر لها من عدم المساواة – بما في ذلك ملايين العائلات الأمريكية التي ليس لديها إمكانية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الإنترنت، وبعد بعض التأخيرات، قامت المدارس في جميع أنحاء البلاد بتوزيع الأجهزة الألكترونية للسماح للطلاب بالتعلم عن بُعد…ولكن، أنتهى بهم الأمر بالتجسس على الطلاب، من أجل مَصلحتهمْ، كما يدعون !

وفقًا لبحث حديث أجراه مركز الديمقراطية والتكنولوجيا (CDT)، وتم نشر تفاصيله بواسطة صحيفة الغارديان البريطانية : أفاد ٨٦ ٪ من المعلمين أنه خلال الوباء، قدمت المدارس الأجهزة اللوحية أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو أجهزة كمبيوتر أخرى للطلاب بمعدل الضعف، لسد الفوارق في الوصول للأنترنت.

تكمن المشكلة في أن الكثير من هذه الأجهزة الإلكترونية كانت تُستخدم ( للتجسس على الطلاب )، حتى أن هذه الأجهزة تقوم بمراقبة الحديث الخاص للطلاب، ورسائل البريد الإلكتروني والوثائق المتداولة بينهم، باسم حماية الطلاب.

أكثر من ٨٠ ٪ من المعلمين و ٧٧ ٪ من طلاب المدارس الثانوية الذين شملهم الإستطلاع الخاص بـ ( CDT ): أن مدارسهم تستخدم برامج المراقبة على تلك الأجهزة، وكلما زاد إعتماد الطلاب على تلك الأجهزة الإلكترونية من غير القادرين على شراء الهواتف أو الأجهزة اللوحية، زاد إستخدامهم للمراقبة.

أوضح مدير أحد المدارس، لباحثي مركز ( CDT ): علمنا أن هناك طلابًا لديهم أفكار حول الإنتحار، وإيذاء النفس وتلك الأشياء، وجدنا إن هذه البرامج لمراقبة نشاط الطالب تقوم بعمل جيد، خصوصاً الذين قد يفكرون في التنمر على الأخرين، وإذا كان بإمكاننا إنقاذ طالب واحد من الإنتحار، أشعر أن هذه البرامج، تستحق كل سنت دُفع مقابلها.

الآلاف من المناطق التعليمية في جميع أنحاء الولايات المتحدة قامت بتثبيت برامج مراقبة على الأجهزة، التي توفرها المدرسة لمراقبة تصرفات طلابها عبر الإنترنت.

إذا قام طالب بإرسال رسائل بريد إلكتروني أو تحدث مع طالب آخر، مثلاً يقول بإنه يفكر في إيذاء نفسه، أو أن هنالك مشكلة في المنزل، يقوم البرنامج – ذكاء إصطناعي، أو مشرف بشري، يراقب هذه الرسائل في الوقت الفعلي بإرسال تنبيه إلى المدرس أو المسؤول، مما يسمح بالتصرف في غضون دقائق والتأكد بأن كل شيء على ما يرام.

يمكن أن تُكلف هذه البرامج، مثلاً ( Bark و Gnosis IQ و Gaggle و Lightspeed )، المدارس، عشرات الآلاف من الدولارات لتثبيتها، ويمكن إعداد هذه البرامج، للبحث عن اللغة، والسلوك، عبر الإنترنت، للطلاب، مما يشير إلى إحتمال وجود ميول عنيفة، والتفكير الإنتحاري، تعاطي المخدرات أو استخدام المواد الإباحية أو اضطرابات الأكل.

يمكننا بالتأكيد أن نفهم لماذا تختار المدارس التقنيات الألكترونية، التي يعتقدون بأنها قد تمنع إنتحار المراهقين، والتنمر، وما شابه.

كان الوباء صعبًا على الجميع، كما أن زيادة العزلة، صعبة بشكل خاص على الأطفال والمراهقين.

يبلغ الطلاب عن زيادة في حوادث إيذاء النفس والدوافع العدوانية، منذ بداية عمليات الإغلاق بسبب الوباء، وسيتطلب دفع جميع الطلاب مرة أخرى معًا للعام الدراسي الجديد تعديلات.

المشكلة الوحيدة هي أننا جربنا هذا من قبل بشكل مختلف.

كان الحل الذي أقترحه الجميع لمعالجة حوادث إطلاق النار في المدارس هو : دعونا نراقب هؤلاء المنحرفين الصغار عن كثب.

أصبحت أجهزة الكشف عن المعادن عند مداخل المدارس هي الأساس، وكان وجود الشرطة واضحاً، وظهرت كاميرات المراقبة في الفصول الدراسية والممرات.

كان هذا عملاً تجاريًا كبيرًا.

المدارس أنفقت مليارات الدولارات على البنية التحتية الأمنية التي ثبت في الغالب أنها غير فعالة.

وكانت النتائج …كارثية !

شعر الأطفال بعدم الأمان، وتمت متابعة الطلاب ذوي البشرة السوداء، ومضايقتهم بشكل متكرر، وزادت عمليات المعاقبة للطلاب، مع تفاقم النتائج التعليمية.

بدأت بعض المدارس في التساؤل عما إذا كانت عقودها مع الشرطة تسببت في إحداث ضررًا أكثر من نفعها، رغم ذلك أضافت مدارس أخرى ببساطة المراقبة الرقمية إلى أنظمتها.

الطلاب الذين لايستطيعون إمتلاك الأجهزة الألكترونية، هم أقل عرضة للخضوع للمراقبة، وسيكون لديهم خصوصية أقل عندما يتعلق الأمر بالقيام بالأشياء المحرجة المنحرفة التي يقوم بها جميع المراهقين.

وإذا كان من الممكن إبلاغ السلطات عن تصرفات الطلاب ( تعاطي المخدرات أو المواد الإباحية أو الأفكار العنيفة )، إلى سلطات تنفيذ القانون، فسيكون، كالعادة، الأطفال المعرضين بالفعل لعدد أكبر من الإتصال مع الشرطة والأخصائيين الاجتماعيين وأشكال أخرى من المراقبة والعقاب، سيعانون من الإهتمام الزائد عن الحد.

على الرغم من أن المدارس وأولياء الأمور يسارعون في التعبير عن مخاوفهم بشأن الخصوصية، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت نتيجة كل هذه المراقبة هي الأمان !

إذا كان الأمر كذلك، بالنسبة لمن؟ أكثر أمانًا للطلاب؟

تشير الإستطلاعات إلى أن الطلاب يدركون في الغالب أنهم يخضعون للمراقبة ولكنهم لا يدركون تمامًا ( مدى هذه المراقبة ).

يفتخر العديد من هذه البرامج الألكترونية، بأن المعلمين يمكنهم الوصول المباشر إلى شاشات الكمبيوترات لطلابهم ، حتى بعد إنتهاء ساعات الدوام المدرسي.

يمكن للمدرسين والمسؤولين السيطرة و التحكم في أجهزة الكمبيوتر عن بُعد، وإغلاق المواقع التي بها مشاكل، وتجاوز قدرة الطلاب على التحكم بها.

هل هذا يجعل الأطفال يشعرون بالأمان؟

ثم هنالك السؤال المهم، المتمثل في الوعد بـ التدخل أثناء حدوث مشكلة للطلاب !

كما يروجون بأن الهدف من المراقبة، هو السماح بإكتشاف مُشكلة ما، والتدخل بشكل مبكر !

يمكن أن يؤدي هذا التدخل السريع إلى وجود الشرطة والأخصائيين الإجتماعيين، وما ينتج عن ذلك، خصوصاً في المنازل الخاصة.

يمكن أن يؤدي توجيه المعلومات المتعلقة بمحاولات الطفل للوصول إلى المساعدة الخارجية، إلى المعتدي المحتمل … وهم … الأباء !

أفادت الشبكة الوطنية لجرائم الإغتصاب The Rape Abuse Incest National Network (Rainn) : خلال الوباء كان أكثر من نصف المتصلين الذين يطلبون المساعدة والمشورة من القصر، الذين كانوا أكثر عرضة للتعرض للخطر في منازلهم مع أفراد الأسرة المسيئين في ظل ظروف عصيبة.

إن الوعد الكبير الآخر لشركات البرمجيات بشأن مراقبة الأطفال للسيطرة على المشاكل هو أنه يمكن تنبيه المتخصصين في الصحة العقلية وتقديم الخدمات لهم.

لكن مرة أخرى، تتباين نتائج الرعاية الصحية النفسية للأطفال بشكل كبير.

من المرجح أن يتم وصف مضادات الذهان والأدوية المنهكة الأخرى للأطفال الذين يتمتعون بتغطية برنامج Medicaid ، بدلاً من الحصول على العلاج بالتحدث بشكل مباشر لهم.

ليس من الواضح ما إذا كان الطلاب سيستفيدون من هذه المراقبة، أو ما إذا كانت ستؤدي فقط إلى تقليل مسؤولية المدارس عند حدوث فعل عنف أو إيذاء الذات.

إذا كان المراهقون بحاجة إلى المساعدة، فيبدو واضحًا أن أفضل طريقة لحمايتهم هي التأكد من أنهم يثقون في البالغين في حياتهم ويمكنهم اللجوء إليهم.

الذكاء الاصطناعي الذي يتجسس عليهم، ليس بديلاً عن ذلك.

يستحق المراهقون الخصوصية للأسباب نفسها التي يفعلها بقيتنا: ألا تُداس حقوقهم، ونتعرض للتأديب على التجاوزات البسيطة.


نحن بحاجة إلى منحهم المساحة التي يستحقونها للتعبير عن نفسهم !

المصدر
المصدر
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
إغلاق

أنت تستخدم مانع ألاعلانات

شكرا جزيلا لزيارة موقعنا - أنت تستخدم مانع ألاعلانات ٠ الرجاء قم بتعطيل مانع ألاعلانات حتى تتمكن من تصفح الموقع