نفط، غاز، معادن وطاقة

لماذا لم يتم توقيع عقد توريد الغاز لتركيا عبر إيران من تركمانستان لحد الأن؟

لقد مر عام واحد منذ أنهت تركمانستان، الدولة التي تفتخر بأنها تمتلك رابع أو خامس أكبر إحتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، عقوداً من التردد، و أعلنت أخيراً، أنها جادة بشأن تصدير الغاز إلى الأسواق الغربية، لكن ماذا حدث؟

بالنسبة لأي دولة أخرى في العالم، تقريباً، كان مثل هذا الإعلان ليشعل موجة من الرغبة المحمومة من جانب البلدان و الشركات المُهتمة بتطوير صفقات التصدير، ولكن مع دولة تركمانستان، كانت العملية أبطأ و أكثر صعوبة، مما كان متوقعاً في العادة، كما أبرزت الأحداث الأخيرة.

في أذار/ مارس 2024، زار الرئيس التركماني سردار بردي محمدوف (Serdar Berdymukhamedov)، تركيا، حيث وقع على ما بدا و كأنه إتفاق تأريخي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما فتح الطريق أمام “صفقة مقايضة” تُمكن من توريد الغاز التركماني إلى إيران، و التي ستقوم بدورها، بتزويد نفس الحَجم (من غازها) إلى تركيا.

بدا المسؤولون الأتراك في ذلك الوقت بأنهم واثقين من أن إتفاقاً تجارياً سوف يتبع ذلك بسرعة، حيث أعلن وزير الموارد الطبيعية و الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار (Alparslan Bayraktar) في مقابلة تلفزيونية في 26 تموز / يوليو، أنه سيتوجه إلى العاصمة التركمانستانية – عشق آباد، في غضون أيام لإبرام صفقة من شأنها أن تسمح بتصدير ( 1.5 إلى 2 مليار متر مكعب من الغاز سنويا) من تركمانستان إلى تركيا عبر إيران.

أشار الوزير التركي، إلى أن التوريد قد يبدأ في أوائل عام 2025، ويمكن إعادة تصدير الغاز إلى أوروبا، و بدا الأمر و كأنه صفقة ناجحة تماماً.

ولكن بعد مرور شهرين تقريبا من الإعلان الأولي للوزير التركي، لا تزال الإتفاقية التجارية تنتظر التوقيع من الجانبين!

إذا تم إبرام هذه الصفقة، فإن الاتفاقية مع تركمانستان ستكون بمثابة إنعطافة كبيرة لتركيا، التي تحاول منذ أواخر التسعينيات جَلب الغاز التركماني إلى تركيا، و التي تحَرص على جلب المزيد من الغاز من أي مكان تستطيعه لتقليل إعتمادها على روسيا وإيران.

تنتهي العقود القديمة، الموقعة بين تركيا وكل من روسيا و إيران، التي تمثل حوالي نصف الطلب على الغاز في تركيا، على مدى العامين المقبلين، و حتى اليوم، لا يوجد ما يشير إلى تجديد أي من هذه العقود.

الإتفاق من شأنه كذلك أن يشكل خطوة كبرى إلى الأمام بالنسبة لتركمانستان، حيث يمنحها الفرصة لإثبات قدرتها على أن تكون مُورداً موثوقاً به، يَستحق إهتمام المشترين الأوروبيين للغاز.

وكذلك قد يُطمئن الإتفاق المَستثمرين الغربيين إلى حدٍ كافٍ لكي يكونوا على إستعداد لتمويل بناء خط أنابيب مُخصص عبر بحر قزوين، وهو ما تحتاجه تركمانستان إذا كانت تريد تصدير الغاز إلى أوروبا بكميات كبيرة (وهو لن يحدث أبداً بدون موافقة الدول الموقعة على إتفاقية بحر قزوين، والتي تتطلب الموافقة الجماعية).

لكن، كما كان الحال طيلة حُقبة ما بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي، فقد ثَبت، أن الحصول على إلتزام حازم من المسؤولين في تركمانستان أمر صعب.

أعلن وزير الموارد الطبيعية و الطاقة التركي، عن الإتفاق، قبل زيارته إلى تركمانستان في التاسع و العشرين من تموز/ يوليو، و كان من المقرر أن تَستمر رحلته لتركمانستان يوماً واحداً فقط، ولكنها مددت ليومٍ ثانٍ، وفي نهاية المطاف، عاد الوزير إلى تركيا على ما يبدو، و هو لا يحمل سوى “مواصلة الجانبين للمحادثات”!

مما زاد من الغموض المُحيط بالرحلة، أن التقارير أختلفت حول الإجتماعات التي جَرت بالضبط، حيث أشار الوزير التركي بنفسه إلى لقاءات مع مسؤولين من شركة تركمان غاز Turkmengaz، وشركة تركمان بترول Turkmenpetrol، والبرلمان التركماني، فضلاً عن لقاء مع وزير الطاقة التركماني أناغلدي ساباروف Annageldy Saparov.

لم يذكر حساب الوزير التركي على تطبيق X، أو موقع وزارة الطاقة التركية، عن أي لقاء مع الرئيس التركماني، بل إن موقع الوزارة نشر صورة واحدة فقط للوزيرين التركي والتركماني، وهما يصافحان بعضهما البعض.

لكن موقع الحكومة التركمانية على الإنترنت، أفاد بأن الرئيس التركماني، التقى بالفعل بوزير الموارد الطبيعية و الطاقة التركي، و لكنه لم ينشر صورة لهما معاً، وهو أمر غير مُعتاد.

بالنسبة لبلدين يوليان أهمية كبيرة للبروتوكول و الشكليات الدبلوماسية، فإن التناقض في التقارير يمثل خُروجاً غير عادي عن القواعد الراسخة.

لم يكشف أي من الجانبين عن أي تفاصيل حول سبب عدم إبرام إتفاقية المُقايضة المتوقعة لتصدير الغاز التركماني إلى تركيا عبر إيران، و لكن التجربة الأخيرة التي مرت بها أذربيجان، التي نَجحت في إبرام إتفاقية مع تركمانستان لإستيراد الغاز عبر مقايضات مع إيران، ربما تلقي بعض الضوء على التطورات الأخيرة.

في أواخر عام 2021، وافقت الحكومة الأذربيجانية، على إتفاقية مقايضة، تُرسل بموجبها تركمانستان حوالي (2 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز) إلى شمال شرق إيران، وتقوم إيران بإرسال نفس الحجم من غازها إلى أذربيجان.

بدأت المقايضة في أوائل عام 2022، و بحلول منتصف العام كانت تسير على ما يرام لدرجة أن الشركاء الثلاثة توصلوا إلى إتفاق لمضاعفة حجم التجارة.

ولكن لأسباب لم يتم تأكيدها أبدًا، لم يتم مُضاعفة الحجم، و بحلول كانون الثاني/ يناير 2024، و يبدو أن عمليات التجارة توقفت: فقد أنتشرت تقارير تفيد بأن تركمانستان، بدعم من “نجاح” العملية الأولي، سعت إلى رفع سعر الغاز بما يتجاوز ما كانت أذربيجان مُستعدة لدفعه.

نظرًا لإرتفاع إنتاج الغاز في أذربيجان من حقولها في بحر قزوين إلى مستوى يمكنها من الوفاء بالتزاماتها المحلية و التصديرية دون اللجوء إلى الواردات، فمن المفترض أن المسؤولين الأذربيجانيين أوقفوا المحادثات مع تركمانستان.

على الرغم من عدم وجود شيء رسمي يثبت ذلك، يبدو أن تركمانستان، حاولت إستخدام أسلوب رفع الأسعار مع تركيا.

ولكن ما زال هناك الكثير من المحاولات التي تبذلها تركيا لتوسيع تجارتها مع إيران، ففي حين تظل تركيا مُلتزمة ظاهرياً بنقل الغاز التركماني إلى تركيا، سواء من خلال عمليات المقايضة عبر إيران أو من خلال خط أنابيب مُخصص، فإن تركيا لا تفتقر إلى خيارات أخرى.

في أيار /مايو، أبرمت تركيا إتفاقية لشراء الغاز الطبيعي المُسال LNG مع شركة إكسون موبيل -الأمريكية، ولم يتم الإعلان عن تفاصيلها بعد.

في الثاني من أيلول/ سبتمبر 2024، وقعت شركة بوتاش، وهي شركة إستيراد الغاز الحكومية التركية، إتفاقية مدتها عشر سنوات مع شركة شل Shell، لاستيراد ( 4 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي المسال) ــ وهو ضعف الواردات المُقررة من تركمانستان من خلال عمليات المقايضة.

بعد يومين من ذلك، أعلن المسؤولون الأتراك أنهم يتوقعون توقيع إتفاقية أخرى كبرى للغاز الطبيعي المسال LNG، في مؤتمر غازتك Gastech، الذي سيعقد في الولايات المتحدة، هيوستن، تكساس، في الفترة من السابع عشر إلى العشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري.

تمتلك تركيا كذلك خيارات أخرى لإستيراد الغاز عبر خط الأنابيب، حيث يتمتع العراق المجاور، كذلك بإحتياطيات كبيرة يمكن نقلها إلى تركيا بسهولة أكبر و بتكلفة (أقل و موثوقية عالية) من الغاز من تركمانستان.

يوضح جون روبرتس John Roberts، وهو مُحلل للطاقة، أن الخاسر الحقيقي في هذا هو تركمانستان، وقال لموقع eurasianet:

“إن تركيا لا تزال الخيار الأفضل لتركمانستان لتطوير طريق تصدير رئيسي جديد”،

موضحًا أن طبيعة أسواق الطاقة تعني، أن (الموثوقية) هي المفتاح لنجاح أي صفقة لتصدير الغاز.

وأضاف:

“إن تركمانستان بحاجة إلى إثبات أنهم شُركاء موثوق بهم، إن فشلهم المستمر في إبرام إتفاقيات بيع و شراء ثابتة يلقي بظلال من الشك على ما إذا كانوا قادرين على إقناع المشترين بأنهم يمكن الإعتماد عليهم“.

مُشيرًا إلى عدد المشاريع لتصدير الغاز التركماني التي تم اقتراحها، ولكن لم يتم تنفيذها.



(نقلا عن موقع eurasianet)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
إغلاق

أنت تستخدم مانع ألاعلانات

شكرا جزيلا لزيارة موقعنا - أنت تستخدم مانع ألاعلانات ٠ الرجاء قم بتعطيل مانع ألاعلانات حتى تتمكن من تصفح الموقع